فصل: الشاهد الرابع والأربعون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن استيلاء الأمير الفضل على قسنطينة وبجاية ثم استيلاء أمرائهما بتمهيد الملك:

كان سنن السلطان أبي الحسن في دولته بالمغرب وفود العمال عليه آخر كل سنة لإيراد جبايتهم والمحاسبة على أعمالهم فوفدوا عليه عامهم ذلك من قاصية المغرب ووافاهم خبر الواقعة بقسنطينة وكان معهم ابن مزني عامل الزاب وفد أيضا بجبايته وهديته وكان معهم ابن عمه تاشفين ابن السلطان أبي الحسن كان أسيرا من يوم واقعة طريف ووقعت المهادنة بين الطاغية وبين أبيه فأطلقه وأوفد معه جمعا من بطارقته وقدموا معه على أبيه ووفد معه أخوه عبد الله من المغرب وكان أيضا معهم وفد السودان من أهل مالي في غرض السفارة واجتمعوا كلهم بقسنطينة فلما اتصل بهم خبر الواقعة على السلطان كثر الاضطراب وتطلبت السفهاء من الغوغاء إلى ما بأيديهم وخشي الملأ من أهل البلد على أنفسهم فاستدعوا أبا العباس الفضل من عمله ببونة ولما أطل على قسنطينة ثارت العامة بمن كان هنالك من الوفد والعمال وانتهبوا أموالهم واستحملوا منهم وخلص أبناء السلطان مع وفود السلطان والجلالقة إلى بسكرة مع ابن مزني وفي حفارة يعقوب بن علي أمير الزواودة فأوسع ابن مزني قرى وتكرمة إلى أن لحقوا بالسلطان أبي الحسن بتونس في رجب من سنة تسع.
ودخل المولى الفضل إلى قسنطينة وأعاد ما ذهب من سلطانه قومه وشمل الناس بعدله وإحسانه وسوغ الأقطاع والجوائز ورحل إلى بجاية لما آنس من صاغية أهلها إلى الدعوة الحفصية فلما أطل عليها ثار أهلها بالعمال الذين كان السلطان أنزلهم بها واستباحوهم وأفلتوا من أيدي نكبتهم بحريفة الرفل ودخل الفضل إلى بجاية واستولى علىكرسي ملكها ونظمها مع قسنطينة وبونة في ملكها وأعاد ألقاب الخلافة ورسومها وشتاتها كما كانت واعتزم على الرحيل إلى الحضرة وبينما هو يحدث نفسه بذلك إذ وصل الخبر بقدوم أمراء بجاية وقسنطينة من المغرب وكان من خبرها أن الأمير أبا عنان لما بلغه خبر الواقعة بأبيه وانتزاء منصور ابن أخيه إلى ملكه بالبلد الجديد دار ملكهم وأحس بخلاص أبيه من هوة الحصار بالقيروان وثب على الأمر ودعا لنفسه ورحل إلى المغرب كما نذكره في أخباره وسرح الأمير أبا عبد الله محمد ابن الأمير أبي زكريا صاحب بجاية والأنباء إلى عمله وأمده بالأموال وأخذ عليه المواثيق ليكونن له ردأ دون أبيه وليحولن بينه وبين الخلوص متى مر به.
وانطلق أبو عبد الله إلى بجاية وقد سبقه إليها عمه الفضل واستولى عليها فنازله بها وطال حصارها ولحق بمكانه من منازلتها نبيل المولى ابن المعلوجي مولى الأمير أبي عبد الله وكافل بنيه من بعده وتقدم إلى قسنطينة وبها عامل من قبل الفضل فثار به الناس لحينه ودخل نبيل وملك البلد وأقام فيها دعوة الأمير أبي زيد ابن الأمير أبي عبد الله وكان الأمير أبو عنان استصحبه وإخوانه إلى المغرب وبعد احتلاله بفاس سرحهم إلى مكان إمارتهم بقسنطينة بعد أن أخذ عليهم الموثق في شأن أبيه بمثل موثق ابن عمهم فجاؤا عل أثر نبيل مولاهم ودخلوا البلد واحتل أبو زيد منها بمكان إمارته وسلطان قدمه كما قبل رحلتهم إلى المغرب.
ولم يزل الأمير أبو عبد الله ينازل بجاية إلى أن بيتها بعض ليالي رمضان من سنته بمداخلة بعض الأشياع من رجالها داخلهم مولاه وكافله فارح في ذلك فسرب فيهم الأموال وواعدوه للبيات وفتحوا له باب البر من أبوابها واقتحمه وفاجأهم هدير الطبول فهب السلطان من نومه وخرج من قصره فتسنم الجبل المطل عليها وتسرب في شعابه إلى أن وضح الصباح وظهر عليه فجيء به إلى ابن أخيه فمن عليه واستبقاه وأركبه السفينة إلى بلد بونة في شوال من سنة تسع وأربعين وسبعمائة ووجد بعض الأعياص من قرابته قد ثاروا بها وهو محمد بن عبد الواحد من ولد أبي بكر ابن الأمير أبي زكريا الأكبر كان هو وأخوه عمر بالحضرة وكان لعمر منها النظر على القرابة فلما كان هذا الاضطراب لحقوا بالفضل وتركهم ببونة عند سفره إلى بجاية فحدثتهم أنفسهم بالانتراء فلم يتم لهم أمر وثارت بهم الحاشية والعامة فقتلوا لوقتهم ووافى الفضل إلى بونة وقد انجلت غيمتهم ومحيت آثارهم فدخل إلى قصره وألقى عصا تسياره واستقل الأمير أبو عبد الله ابن الأمير أبي زكريا ببجاية محل إمارة أبيه الأمير أبي زيد ابن الأمير أبي عبد الله بقسنطينة محل إمارة أبيه والأمير أبو العباس الفضل ببونة محل إمارته منذ عهد الأمر والسلطان أبو الحسن بتونس إلى أن كان من أمرهم ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن حركة الفضل الى تونس بعد رحيل السلطان أبي الحسن إلى المغرب:

كان العرب بعدما قدمنا من طاعتهم وإسلامهم سلطانهم إلى أبي دبوس قد انفضوا عن السلطان أبي الحسن وأجلبوا عليه ثانية وتولى كبر ذلك قتيبة بن حمزة وخالف إلى السلطان أخوه خالد مع أولاد مهلهل وافترق أمرهم وخرج كبيرهم عمر ابن حمزة حاجا فاستقدم قتيبة وأصحابه الأمير الفضل من مكان إمارته ببونة لطلب حقه واسترجاع ملك آبائه فأجابهم ووصل إلى أحيائهم آخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة فنازلوا تونس وأجلبوا عليها ثم أفرجوا عن منازلتها أول سنة خمسين وسبعمائة وأفرجوا عنها آخر المصيف واستدعاهم أبو القاسم بن عتو صاحب الجريد من مكان عمله بتوزر فدخل في طاعة الفضل وحمل أهل الجريد كلهم عليها واتبعه في ذلك بنو مكي وانتقضت أفريقية عن السلطان أبي الحسن من أطرافها فركب أساطيله إلى المغرب أيام الفطر من سنة خمسين وسبعمائة ومضى المولى الفضل إلى تونس وبها أبو الفضل ابن السلطان أبي الحسن كان أبوه قد عقد له عليها عند رحيله إلى المغرب تفاديا عن ثورات الغوغاء ومضرة هيعتهم وأمن عليه بما كان عقد له من الصهر مع عمر بن حمزة في ابنته فلما أطلت رايات المولى الفضل على تونس أيام الحج نبضت عروق التشيع للدعوة الحفصية وأحاطت الغوغاء بالقصر ورجموه بالحجارة وأرسل أبو الفضل إلى بني حمزة متذمما بصهرهم فدخل عليه أبو الليل وأخرجه ومن معه إلى الحسن واستركب له من رجالات بني كعب من أبلغه مأمنه وهداه السبيل إلى وطنه ودخل الفضل إلى الحضرة وقعد بمجلس آبائه من الخلافة وجدد ما طمسته بنو مرين من معالم الدولة واستمر أمره على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكر إن شاء الله تعالى.